الخبير في العلاقات الصينية المغربية ناصر بوشيبة: بيكين تستثمر في الأقاليم الجنوبية ولا تعاكس المغرب في وحدته الترابية
اعتبر ناصر بوشيبة، الخبير في العلاقات الصينية المغربية ورئيس جمعية التعاون الأفريقي الصيني للتنمية، أن تطور العلاقات الاستراتيجية بين الرباط وبيكين، لاسيما في ظل التوسع الاقتصادي الصيني في المنطقة، بات ضرورة حتمية موردا في حواره مع "الصحيفة" أن الصين، بما تملكه من إمكانيات اقتصادية ضخمة، تجد في المغرب شريكًا استراتيجيًا في إفريقيا، وخاصة في الأقاليم الجنوبية للمملكة.
كما تناول بوشيبة في حواره مع "الصحيفة'' عن دعم الصين الثابت لموقف المغرب في قضيته الوطنية الأولى، مغربية الصحراء، ويشير إلى الدور المهم الذي تلعبه الدبلوماسية المغربية في تعزيز العلاقات بين البلدين، مبرزا رؤية الصين في تعزيز شراكتها مع المغرب، نظرا للاستقرار والأمن الذي يوفره المغرب ويعد عاملًا أساسيًا في جذب الاستثمارات الصينية إلى المملكة، وهو ما يعزز من مكانتها كمحور أساسي للاستثمار في القارة الإفريقية.
- ما هي دلالات سياق الزيارة التي قام بها الرئيس الصيني شي جين بينغ إلى المغرب، و تأكيده على هامشها رغبة بلاده في تعزيز "شراكة استراتيجية" مع المملكة؟
يتسم تقليد الزيارات الدبلوماسية الصينية، سواء كانت لرئيس الدولة أو لرئيس الوزراء، بطابعها الإقليمي على العموم، وفي هذا الإطار، تأتي زيارة الرئيس الصيني التي شملت أمريكا الشمالية والجنوبية، وتحمل أبعادًا جيوسياسية واضحة، بيد أن اختيار التوقف بالمغرب في هذا السياق، يحمل رمزية خاصة، فوفقًا لتقارير الصحافة الصينية، يُتوقع أن يقوم الرئيس الصيني بزيارة مستقبلية إلى المغرب، مما يعكس أهمية المملكة المتزايدة لدى صانعي القرار في بكين، خاصة بالمقارنة مع بقية دول المنطقة أو حوض البحر المتوسط.
ومن منطلق تخصصي في الشأن المرتبط بالاستثمارات الصينية والمساعدة الصينية في إفريقيا، أقول إن الصين كانت دائما تبحث على شركاء في إفريقيا لبلورة نموذج ناجح للتعاون المتبادل المنفعة، فكما تعرفون لطالما شهدت المنطقة نوعا من عدم الاستقرار. وبالنسبة للمغرب نحن لا ندعي أننا دولة متقدمة، لكن استطاعت المملكة أن تتميز خلال 25 عامًا من حكم الملك محمد السادس، حيث حقق المغرب قفزات كبيرة في تطوير البنية التحتية، مثل الموانئ والطرق، مع توفير بيئة مستقرة وآمنة للمستثمرين، وهم يعرفون ويحسون بهذا الأمان والاستقرار فوق تراب المملكة.
لقد لاحظت خلال زياراتي مع مستثمرين صينيين إلى الأقاليم الجنوبية، مدى الراحة التي يشعرون بها عند ممارسة أنشطتهم دون تدخل أو مضايقات، إضافة إلى ذلك، يعزز المغرب جاذبيته من خلال الميثاق الجديد للاستثمار، الذي يقدم حوافز غير مسبوقة، فضلًا عن الجهود المبذولة للتواصل مع الصين من خلال إصدارات إعلامية وكتب مترجمة إلى اللغة الصينية.
هذه الجهود إذن لم تغب عن أعين مراكز الأبحاث الصينية، التي تنقل بدورها صورة إيجابية إلى صناع القرار. كما أن العلاقة الشخصية القوية بين الملك محمد السادس والرئيس الصيني شي جين بينغ، التي تعززت خلال فترة جائحة كورونا، أسهمت في بناء شراكة متميزة تقوم على الحكمة والتعاون، فالمغرب، إذن، أصبح وجهة مثالية لتوطين الاستثمارات الصينية، بفضل معطياته الموضوعية وعلاقاته الاستراتيجية.
- أكد الرئيس الصيني شي جين بينغ دعم بلاده لجهود المغرب في الحفاظ على أمنه واستقراره، مع الإشارة إلى أن الصين لطالما دعمت موقف المغرب في الأمم المتحدة من خلال التصويت لصالحه في القضايا المتعلقة بوحدته الترابية. فهل يمكننا أن نتوقع اعترافًا وشيكًا بمغربية الصحراء وتأييدًا قاطعًا لمبادرة الحكم الذاتي؟
أعتقد أن معضلة الحركات الانفصالية هي إرث ثقيل من الحقبة الاستعمارية. فلا تكاد توجد دولة إفريقية أو عربية إلا وتواجه مشكلات حدودية مع جيرانها أو تعاني من وجود مجموعات انفصالية يتم توظيفها لخدمة أجندات معينة. والهدف الواضح من ذلك، هو تعطيل كل أشكال الاندماج الإقليمي في دول الجنوب.
قبل أن أجيب على سؤالك، أتساءل: لماذا لا تسعى الحركات المناهضة في الدول الغربية إلى الانفصال، بل تطرح بدائل حضارية مثل الحكم الذاتي أو الفيدرالية أو حتى الكونفيدرالية؟ في هذه الدول، انتهى زمن الحروب الكبرى وأصبحت الحلول السياسية أكثر نضجًا. أما في البلدان النامية، فلا يزال الانفصال يُطرح كخيار رئيسي، وكأن المطلوب هو إبقاء هذه الدول في دائرة النزاعات والصراعات.
أعود لربط ذلك بسؤالك، الصين هي دولة عانت كثيرًا من مشكلات الانفصال، إذ تواجه تحديات كبيرة على حدودها البرية والبحرية، أبرزها قضية جزيرة تايوان. وفي هذا السياق، كان موقف المغرب واضحًا وثابتًا، حيث يدعم مبدأ "الصين الواحدة" دون أي لبس.
المملكة المغربية، التي كانت من أبرز ضحايا الحركات الانفصالية، تُظهر تضامنها الكامل مع الصين في هذا الملف. ومن التفاصيل المهمة التي تعكس هذا الدعم، أن المواطنين التايوانيين، رغم صداقتهم للمملكة، يُطلب منهم الحصول على تأشيرة الدخول إلى المغرب عبر بكين، في تأكيد عملي على عدم اعتراف المغرب بأي كيان انفصالي.
الخلفية المشتركة بين المغرب والصين تتمثل في الإرث التاريخي للاستعمار. الصين تُدرك جيدًا موقف المغرب، لكنها في السابق لم تكن على اطلاع واسع بحيثيات النزاع المفتعل حول الصحراء المغربية، ويرجع ذلك إلى غياب تواصل فعّال بين الرباط وبكين باللغة الصينية، حيث يحرص الصينيون على التحدث بلغتهم، وأول المبادرات للتواصل كانت في عام 1974، عندما أوفد الملك الحسن الثاني الراحل عبد الرحيم بوعبيد إلى الحكومة الصينية لشرح موقف المغرب بشأن استكمال وحدته الترابية وإنهاء الاستعمار الإسباني.
فيما مؤخرًا، وبدعم من شخصيات مغربية بارزة مثل عبد الكريم بناني، رئيس جمعية رباط الفتح، تم تحقيق خطوات كبيرة لتعزيز هذا التواصل. فقد تم ترجمة مجموعة من الكتب حول قضية الصحراء المغربية إلى اللغة الصينية، ولاقى هذا العمل استحسان الفاعلين الصينيين والبعثات الصينية في المغرب.
ولا أخفيك، هذه الترجمات لعبت دورًا كبيرًا في توضيح الحقائق، وأصبحت نقطة مرجعية للفهم. وهذا ما أكده السفير الصيني خلال لقائه مع الأحزاب المغربية، حيث أشار إلى أن بلاده لم تكن على دراية كافية بالنزاع، ولكن بفضل هذه الجهود باتت تمتلك معرفة أعمق تساعدها على اتخاذ موقف واضح، وبالتالي اليوم، الصين، كغيرها من الدول التي لم تحسم موقفها بعد، قد تُغير توجهها بالنظر إلى أن أكثر من 100 دولة تعترف بمغربية الصحراء وتدعم مبادرة الحكم الذاتي التي طرحها المغرب في الأمم المتحدة، هذه المبادرة تمثل الحل الوحيد لتحقيق الاستقرار في المنطقة، وضمان حقوق المواطنين المغاربة في الأقاليم الجنوبية، الذين يديرون شؤونهم الآن في إطار الجهوية الموسعة.
- ما الذي ينقص لتسريع هذا الاعتراف الصيني المنتظر؟
أعتقد أن تحقيق تقدم أسرع نحو اعتراف دول مثل الصين وروسيا بمغربية الصحراء، يستلزم تحركا جديا للحكومة المغربية من خلال تعزيز جهودها الدبلوماسية، مسترشدة بتوجيهات الملك الواردة في خطابه الأخير، فقد دعا إلى تعبئة شاملة تشمل جميع المتدخلين، من أكاديميين وجالية مغربية، كل من موقعه، لتوحيد الجهود في هذا المسار.
ومن بين الأمور الأساسية التي يجب العمل عليها، توفير خريطة رسمية كاملة للمغرب، تشمل أقاليمه الجنوبية، لتُستخدم في اللقاءات الأكاديمية والمنشورات والإصدارات بمختلف اللغات، كالصينية والعربية والإنجليزية. هذه الخريطة التي تعكس السيادة الوطنية، يجب أن تُصدر من جهات حكومية مختصة، بدلًا من الاعتماد على تعديلات فردية.
المغرب ما زال في معركة استكمال وحدته الترابية، والخريطة الوطنية الموحدة تمثل جزءًا من هذه السيادة، ما يجعلها أداة أساسية في مواجهة الطرح الانفصالي الذي استغل التواصل والترويج لأكاذيبه في الماضي، وعلى الحكومة أيضًا أن توفر الأدوات اللازمة للجالية المغربية، خصوصًا الطلبة والشباب المولودين في الخارج، للترافع عن قضية الوحدة الترابية.
في كثير من الأحيان، يواجه هؤلاء تحديات مثل غياب الرموز الوطنية، كما حدث مع طالبة مغربية اضطرت إلى تطريز العلم المغربي يدويًا للمشاركة في نشاط جامعي، إلى جانب ذلك، يجب أن نركز على تأطير الجيل الجديد من المغاربة المقيمين بالخارج، لتمكينهم من أداء دورهم بفاعلية في الدفاع عن قضية الصحراء المغربية.
اعتراف دول كبرى مثل الصين وروسيا بمغربية الصحراء ليس شأنًا خارجيًا فحسب، بل هو مسؤولية مغربية بالدرجة الأولى، علينا أن نعمل وفق التوجيهات الملكية التي أكدت أن قضية الصحراء المغربية هي قضية الجميع، ولا تُحتكر من قبل جهة معينة، هذه التعبئة الشاملة هي السبيل الوحيد لإنهاء هذا النزاع المفتعل، ومن الجدير بالذكر أن معظم الدول المتقدمة باتت تعترف بمبادرة الحكم الذاتي التي اقترحها المغرب، ولم يتبقَّ سوى القليل منها ما زال لم يُحدد موقفه بوضوح.
- هل نفهم من كلامك أن اعتراف بكين بمغربية الصحراء بات قريبًا؟ هل لمست ذلك من خلال تواصلك مع الدبلوماسيين الصينيين؟
بالفعل، لكن كما أشرت سابقًا، تحقيق هذا الاعتراف يعتمد بشكل كبير على الجهود التي نبذلها نحن لتوفير الشروط اللازمة، ولعل تصريح الرئيس الصيني خلال زيارته الأخيرة خير دليل، عندما أكد أن بلاده مستعدة لدعم الوحدة الوطنية للمغرب، وبطبيعة الحال، فإن الصحراء المغربية هي قضيتنا الوطنية الأولى في هذا السياق.
- تُسرّع الصين خطواتها لزيادة استثماراتها في المغرب، مع التركيز على الأقاليم الجنوبية كمحور رئيسي لدخول أسواق جديدة في إفريقيا. كيف تُفسر رغبة بكين في هذا الارتباط المباشر بالصحراء من منظور استثماري؟
كما تعلمون، عندما نرحب بالمستثمرين الصينيين في المغرب، نوضح لهم أن خططهم التوسعية الاقتصادية يجب ألا تقتصر على استهداف 34 مليون نسمة داخل المملكة فقط، بل ينبغي أن تُوجه نحو الامتداد الإفريقي الذي يشمل أكثر من 500 مليون نسمة، والروابط التاريخية، الدينية، والثقافية التي تجمع المغرب بدول غرب إفريقيا تُشكل عنصر جذب مهمة للمستثمرين الصينيين، إلى جانب ذلك، هناك مشاريع استراتيجية كبرى تعزز مكانة المغرب كبوابة نحو إفريقيا، أبرزها مشروع أنبوب الغاز المغربي-النيجيري، الذي سيغير ملامح مستقبل المنطقة بأكملها، والمبادرة الأطلسية التي أطلقها الملك محمد السادس لدعم الدول الإفريقية غير الساحلية، مما يجعل من مدينة الداخلة نقطة عبور استراتيجية نحو المحيط الأطلسي.
;الصينيون بطبيعتهم رجال أعمال يبحثون عن الفرص، وقد أدركوا أن الاندماج مع المغرب الآن يتيح لهم ميزة تنافسية كبيرة. الانتظار أو التأخير قد يعني فقدان هذه الفرص، خصوصًا مع اعتراف العالم، شرقًا وغربًا، بأن المغرب يُمثل بوابة اقتصادية فريدة نحو إفريقيا.
- تناقلت تقارير إسبانية، استنادًا إلى مصادر صينية، حديثًا عن استعداد بكين لافتتاح قنصلية عامة في مدينة العيون واستثمار في جسر بري يربط الأقاليم الصحراوية بالأرخبيل الإسباني. ما مدى واقعية هذه الأخبار برأيك؟
بصفتي مطلعًا على العلاقات المغربية-الصينية وعضوًا في مراكز أبحاث صينية، أرى أن هذه الأخبار تمثل تطلعات مشروعة لبعض الأطراف، ولكن الدول ذات التاريخ والحضارة مثل المغرب والصين تعتمد دائمًا نهجًا رزينا في اتخاذ قرارات كهذه والإعلان عنها.
لذا، أعتقد أن ما ورد في الصحافة الإسبانية ليس أكثر من تكهنات إيجابية تعكس اتجاهًا نسعى جميعًا لتحقيقه، سواء تعلق الأمر بفتح قنصلية أو إنشاء غرفة تجارة.
في الواقع، العديد من رجال الأعمال الصينيين الذين زاروا الأقاليم الجنوبية أعربوا عن إعجابهم بالتنمية التي تشهدها المنطقة، وأبدوا لي شخصيا اهتمامهم بفتح غرف صناعة صينية في مدينتي الداخلة والعيون، من بينهم مستثمرون نشطون بالفعل في الدار البيضاء وآخرون تعرفوا على الإمكانات الكبيرة لهذه الأقاليم خلال زياراتهم.
أما بخصوص فتح قنصلية، فهذا قرار سيادي للدولة الصينية، لا يمكننا الاعتماد على أخبار من مصادر إسبانية أو الكناري للتأكيد على ذلك. لكن المؤكد أن الزمن سيكشف عن تطورات إيجابية، ليس فقط فيما يتعلق بالصين، بل أيضًا مع دول أخرى كروسيا، إذ إن افتتاح قنصليات جديدة في الأقاليم الجنوبية بات أمرًا متوقعًا على المدى القريب.